سورة آل عمران - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (آل عمران)


        


{وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آَتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (81) فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (82) أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (83)}
{ميثاق النبيين} فيه غير وجه: أحدها أن يكون على ظاهره من أخذ الميثاق على النبيين بذلك. والثاني أن يضيف الميثاق إلى النبيين إضافته إلى الموثق لا إلى الموثق عليه، كما تقول ميثاق الله وعهد الله، كأنه قيل: وإذ أخذ الله الميثاق الذي وثقه الأنبياء على أممهم، والثالث: أن يراد ميثاق أولاد النبيين وهم بنو إسرائيل على حذف المضاف. والرابع: أن يراد أهل الكتاب وأن يرد على زعمهم تهكماً بهم، لأنهم كانوا يقولون: نحن أولى بالنبوة من محمد لأنا أهل الكتاب ومنا كان النبيون. وتدل عليه قراءة أبيّ وابن مسعود: {وإذا أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب} واللام في {لَمَا ءاتَيْتُكُم} لام التوطئة لأن أخذ الميثاق في معنى الاستحلاف وفي لتؤمنن لام جواب القسم، و (ما) يحتمل أن تكون المتضمنة لمعنى الشرط، ولتؤمنن سادّ مسدّجواب القسم والشرط جميعاً وأن تكون موصولة بمعنى: للذي آتيتكموه لتؤمنن به. وقريء: {لما آتيناكم} وقرأ حمزة: {لما آتيتكم}. بكسر اللام ومعناه: لأجل إيتائي إياكم بعض الكتاب والحكمة؛ ثم لمجيء رسول مصدّق لما معكم لتؤمنن به. على أن (ما) مصدرية، والفعلان معها أعني {آتيتكم} و {جاءكم} في معنى المصدرين، واللام داخلة للتعليل على معنى: أخذ الله ميثاقهم لتؤمنن بالرسول ولتنصرنه، لأجل أني آتيتكم الحكمة، وأن الرسول الذي آمركم بالإيمان به ونصرته موافق لكم غير مخالف. ويجوز أن تكون (ما) موصولة.
فإن قلت: كيف يجوز ذلك والعطف على آتيتكم وهو قوله: {ثُمَّ جَاءكُمْ} لا يجوز أن يدخل تحت حكم الصفة، لأنك لا تقول: للذي جاءكم رسول مصدق لما معكم؟ قلت: بلى لأنّ ما معكم في معنى ما آتيتكم، فكأنه قيل: للذي آتيكموه وجاءكم رسول مصدق له.
وقرأ سعيد بن جبير {لما} بالتشديد، بمعنى حين آتيتكم بعض الكتاب والحكمة. ثم جاءكم رسول مصدق له وجب عليكم الإيمان به ونصرته. وقيل: أصله لمن ما، قاستثقلوا اجتماع ثلاث ميمات وهي الميمان والنون المنقلبة ميما بإدغامها في الميم، فحذفوا إحداها فصارت لما. ومعناه: لمن أجل ما آتيتكم لتؤمنن به، وهذا نحو من قراءة حمزة في المعنى {إِصْرِى} عهدي. وقرئ: {أصرى} بالضم. وسمي إصراً، لأنه مما يؤصر، أي يشدّ ويعقد. ومنه الإصار، الذي يعقد به. ويجوز أن يكون المضموم لغة في أصر، كعبر وعبر، وأن يكون جمع إصار {فاشهدوا} فليشهد بعضكم على بعض بالإقرار {وَأَنَاْ على ذلكم} من إقراركم وتشاهدكم {مّنَ الشاهدين} وهذا توكيد عليهم وتحذير من الرُّجوع إذا علموا بشهادة الله وشهادة بعضهم على بعض. وقيل: الخطاب للملائكة {فَمَنْ تولى بَعْدَ ذلك} الميثاق والتوكيد {فَأُوْلَئِكَ هُمُ الفاسقون} أي المتمردون من الكفار دخلت همزة الإنكار على الفاء العاطفة جملة على جملة. والمعنى: فأولئك هم الفاسقون فغير دين الله يبغون، ثم توسطت الهمزة بينهما. ويجوز أن يعطف على محذوف تقديره {أ} يتولون {فَغَيْرَ دِينِ الله يَبْغُونَ} وقدم المفعول الذي هو غير دين الله على فعله لأنه أهم من حيث أنّ الإنكار الذي هو معنى الهمزة متوجه إلى المعبود بالباطل.
وروي: أن أهل الكتاب اختصموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما اختلفوا فيه من دين إبراهيم عليه السلام؛ وكل واحد من الفريقين ادعى أنه أولى به، فقال صلى الله عليه وسلم: «كلا الفريقين بريء من دين إبراهيم» فقالوا: ما نرضى بقضائك ولا نأخذ بدينك. فنزلت: وقرئ: {يبغون}، بالياء: {وترجعون} بالتاء وهي قراءة أبي عمرو، لأنّ الباغين هم المتولون، والراجعون جميع الناس. وقرئا بالياء معاً، وبالتاء معاً {طَوْعاً} بالنظر في الأدلة والإنصاف من نفسه {وَكَرْهًا} بالسَّيف، أو بمعاينة ما يلجئ إلى الإسلام كنتق الجبل على بني إسرائيل، وإدراك الغرق فرعون، والإشفاء على الموت {فَلَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا قَالُواْ ءامَنَّا بالله وَحْدَهُ} [غافر: 84] وانتصب طوعاً وكرها على الحال، بمعنى طائعين ومكرهين.


{قُلْ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (84) وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (85)}
أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يخبر عن نفسه وعمن معه بالإيمان، فلذلك وحد الضمير في {قُلْ} وجمع في {ءَامَنَّا} ويجوز أن يؤمر بأن يتكلم عن نفسه كما يتكلم الملوك إجلالاً من الله لقدر نبيه.
فإن قلت: لم عدّى أنزل في هذه الآية بحرف الاستعلاء، وفيما تقدم من مثلها بحرف الانتهاء؟ قلت: لوجود المعنيين جميعاً، لأن الوحي ينزل من فوق وينتهي إلى الرسل، فجاء تارة بأحد المعنيين، وأخرى بالآخر. ومن قال: إنما قيل {عَلَيْنَا} لقوله: {قُلْ}؛ و{إِلَيْنَا} لقوله: {قولوا} [البقرة: 136] تفرقة بين الرسل والمؤمنين، لأن الرسول يأتيه الوحي على طريق الاستعلاء، ويأتيهم على وجه الانتهاء، فقد تعسف. ألا ترى إلى قوله: {بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ} [المائدة: 68]، {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الكتاب} [النساء: 105] وإلى قوله: {ءامِنُواْ بالذى أُنزِلَ عَلَى الذين ءَامَنُواْ}. {وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} موحدون مخلصون أنفسنا له لا نجعل له شريكاً في عبادتها؛ ثم قال: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلام} يعني التوحيد وإسلام الوجه لله تعالى: {دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الاخرة مِنَ الخاسرين} من الذين وقعوا في الخسران مطلقاً من غير تقييد للشياع. وقرئ: {ومن يبتغ غير الإسلام} بالإدغام.


{كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (86) أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (87) خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (88) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (89)}
{كَيْفَ يَهْدِى الله قَوْمًا} كيف يلطف بهم وليسوا من أهل اللطف، لما علم الله من تصميمهم على كفرهم، ودل على تصميمهم بأنهم كفروا بعد إيمانهم وبعد ما شهدوا بأن الرسول حق، وبعدما جاءتهم الشواهد من القرآن وسائر المعجزات التي تثبت بمثلها النبوّة وهم اليهود كفروا بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد أن كانوا مؤمنين به؛ وذلك حين عاينوا ما يوجب قوّة إيمانهم من البينات. وقيل: نزلت في رهط كانوا أسلموا ثم رجعوا عن الإسلام ولحقوا بمكة، منهم طعمة بن أبيرق، وَوَحْوَحُ بن الأسلت، والحرث بن سويد بن الصامت.
فإن قلت: علام عطف قوله {وَشَهِدُواْ}؟ قلت: فيه وجهان: أن يعطف على ما في إيمانهم من معنى الفعل؛ لأن معناه بعد أن آمنوا، كقوله تعالى: {فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن} [المنافقين: 10] وقول الشاعر:
... لَيْسُوا مُصْلِحِينَ عَشِيرَةً *** وَلاَ نَاعِبٍ............
ويجوز أن تكون الواو للحال بإضمار (قد) بمعنى كفروا وقد شهدوا أن الرسول حق {والله لاَ يَهْدِى} لا يلطف بالقوم الظالمين المعاندين الذين علم أن اللطف لا ينفعهم. {إِلاَّ الذين تَابُواْ مِن بَعْدِ ذلك} الكفر العظيم والارتداد {وَأَصْلَحُواْ} ما أفسدوا أو ودخلوا في الصلاح. وقيل: نزلت في الحرث بن سويد بعد أن ندم على ردّته وأرسل إلى قومه أن سلوا: هل لي من توبة، فأرسل إليه أخوه الجلاس بالآية. فأقبل إلى المدينة فتاب وقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم توبته.

8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15